بالنسبة للمؤمنين بالحزب الحاكم في تركيا، كان فوز المعارضة يوم الأحد في انتخابات عمدة إسطنبول أمراً لا يمكن تصوره. وعشية التصويت، قال «ارتوجول»، متطوع في كشك تابع للحزب، «من المستحيل إطلاقاً» أن يخسر «حزب العدالة والتنمية».
ومع ذلك، فقد خسر «حزب العدالة والتنمية»، وبشكل حاسم، سيطرته على العاصمة التجارية للبلاد، في ضربة للرئيس رجب طيب أردوغان، مما يعني مزيداً من التآكل لسلطة الحزب ذي الجذور الإسلامية، والذي هيمن على السياسة التركية منذ قرابة العقدين.
وأعلن العمدة الجديد «أكرم إمام أوغلو»، الذي حكم 18 يوماً في شهر أبريل الماضي قبل إلغاء فوزه، أن الحكم الاستبدادي قد تضاءل في تركيا. وأضاف أمام مؤيديه: «إننا نبدأ صفحة جديدة في إسطنبول. وفي هذه الصفحة الجديدة ستكون هناك عدالة ومساواة وحب»، فيما انطلقت الاحتفالات في جميع أنحاء المدينة. وقال إمام أوغلو إن أهالي إسطنبول «قد جددوا إيماننا بالديمقراطية وأظهروا للعالم أن تركيا لا تزال تحمي ديمقراطيتها».
وفي الواقع، لم يكرر إمام أوغلو، من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، فقط الانتصار الذي حصل عليه في 31 مارس الماضي، عندما أجرت تركيا انتخابات وطنية ومحلية، بل وسّع هامش هزيمة «حزب العدالة والتنمية» من 13.000 صوت إلى نحو 775.000 صوت في مدينة كانت نقطة انطلاق لحزب العدالة والتنمية.
وقالت «عزيز»، وهي طالبة تدرس للحصول على درجة الدكتوراه، في ليلة الانتخابات: «كان الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم يتساءلون دائماً عما إذا كان حتى أحفادهم سيرون نهاية (حزب العدالة والتنمية). لكنهم فقدوا أنقرة وأنطاليا واليوم إسطنبول»، في إشارة إلى البلديات الأخرى التي تديرها المعارضة. واستطردت: «إننا نفكر الآن في أننا قد نرى (حزب العدالة والتنمية) يسقط من السلطة حتى في حياتنا».
وخلال حملة لا هوادة فيها هذا الربيع، وصف أردوغان الانتخابات بأنها انتخابات «البقاء» الوطني، وقال: «إذا خسرنا إسطنبول، سنفقد تركيا». وانتقد أردوغان، الذي كان هو نفسه عمدة لإسطنبول، إمام أوغلو باعتباره قائداً لـ«حزب الشعب الجمهوري الفاشي الذي كان يعمل مع إرهابيين»!
وقبل أيام من التصويت، أعلن أردوغان أن «أسوأ شيء يمكن أن يحدث لإسطنبول أن يحكمها حزب الشعب الجمهوري الفاشي، الذي رأينا في جيزي [الاحتجاجات المناهضة لأردوغان في 2013] والعديد من الحالات الأخرى، أنه مثل كابوس ينزل على المدينة».
لكن في يوم الأحد الماضي، كان يتعين على «بينالي يلدريم»، مرشح «حزب العدالة والتنمية»، أحد مؤسسي الحزب ورئيس وزراء سابق ورئيس للبرلمان، أن يعترف بالهزيمة في المدينة التي تضم 18% من سكان تركيا وتنتج 32% من الناتج الاقتصادي للبلاد. وقد فاز إمام أوغلو بـ54% من الأصوات، بينما حصل يلدريم على 45% فقط.
وتقول «أسلى أيدنتشباش»، خبيرة في الشؤون التركية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «لا شك في أن حزب العدالة والتنمية بلغ أقصى مداه، وبدأ في التراجع، من حيث قوته الانتخابية». وأضافت: «هذا واضح من الناحية الحسابية، إنهم في تراجع». وأوضحت: «إن البلاد تمر بحالة ركود، وإن الأصوات تراجعت بشكل ملحوظ منذ مستويات 2015»، مشيرةً إلى أن أغلبية «حزب العدالة والتنمية» في البرلمان تعتمد على تحالف مع حزب قومي متشدد، وأن جماعات منشقة قد تشكلت داخل «حزب العدالة والتنمية». وإلى ذلك، فإن المعارضة «استوعبت بعد عقدين من الزمان الصيغة من أجل الفوز». وتتضمن هذه الصيغة دعماً من الأكراد المحرومين من حق التصويت، والذين شعروا بقسوة الحملة العسكرية التي شنها «حزب العدالة والتنمية» على الانفصاليين والمسلحين. ويذكر أن حوالي 15% من سكان إسطنبول أكراد.
لقد كان اقتصاد تركيا المتقلص عاملاً في منح المعارضة السيطرةَ على تسعة أعشار المناطق الحضرية في تركيا. وقد وعد يلدريم الناخبين في إسطنبول بمجموعة من المزايا، من التجوال المجاني لبيانات الهواتف المحمولة إلى خفض أسعار وسائل النقل العام.
يقول «سنان أولجن»، وهو دبلوماسي تركي سابق ورئيس مركز دراسات السياسة الخارجية والاقتصادية (مؤسسة بحثية في إسطنبول)، إن نتائج الانتخابات هي بمثابة «ضربة لمكانة أردوغان السياسية»، وكذلك لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يستخدم ثروات إسطنبول وسيطرتها على العقود الكبيرة لتمويل ونشر حركته. وأضاف أولجن: «لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية إسطنبول، لأي حركة سياسية». وقال: «إنني أرى هذا كشيء من إعادة التوازن للمشهد السياسي التركي، لأن 65% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا سيكون تحت سيطرة المعارضة، من حيث الحكم المحلي». لكنه يحذر من «المبالغة في التأثير» على السياسة الوطنية، نظراً لأن أردوغان لا يزال على رأس رئاسة تنفيذية قوية للغاية، مع عدم إجراء انتخابات قبل 2023.
ومع ذلك، فمع مرور الوقت، فإن «حزب الشعب الجمهوري»، الذي أسسه الأب العلماني لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، قد يستخدم الحكم المحلي لتنشيط قاعدة قوته، كما فعل «حزب العدالة والتنمية» ذات يوم.
*كاتب أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
ومع ذلك، فقد خسر «حزب العدالة والتنمية»، وبشكل حاسم، سيطرته على العاصمة التجارية للبلاد، في ضربة للرئيس رجب طيب أردوغان، مما يعني مزيداً من التآكل لسلطة الحزب ذي الجذور الإسلامية، والذي هيمن على السياسة التركية منذ قرابة العقدين.
وأعلن العمدة الجديد «أكرم إمام أوغلو»، الذي حكم 18 يوماً في شهر أبريل الماضي قبل إلغاء فوزه، أن الحكم الاستبدادي قد تضاءل في تركيا. وأضاف أمام مؤيديه: «إننا نبدأ صفحة جديدة في إسطنبول. وفي هذه الصفحة الجديدة ستكون هناك عدالة ومساواة وحب»، فيما انطلقت الاحتفالات في جميع أنحاء المدينة. وقال إمام أوغلو إن أهالي إسطنبول «قد جددوا إيماننا بالديمقراطية وأظهروا للعالم أن تركيا لا تزال تحمي ديمقراطيتها».
وفي الواقع، لم يكرر إمام أوغلو، من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، فقط الانتصار الذي حصل عليه في 31 مارس الماضي، عندما أجرت تركيا انتخابات وطنية ومحلية، بل وسّع هامش هزيمة «حزب العدالة والتنمية» من 13.000 صوت إلى نحو 775.000 صوت في مدينة كانت نقطة انطلاق لحزب العدالة والتنمية.
وقالت «عزيز»، وهي طالبة تدرس للحصول على درجة الدكتوراه، في ليلة الانتخابات: «كان الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم يتساءلون دائماً عما إذا كان حتى أحفادهم سيرون نهاية (حزب العدالة والتنمية). لكنهم فقدوا أنقرة وأنطاليا واليوم إسطنبول»، في إشارة إلى البلديات الأخرى التي تديرها المعارضة. واستطردت: «إننا نفكر الآن في أننا قد نرى (حزب العدالة والتنمية) يسقط من السلطة حتى في حياتنا».
وخلال حملة لا هوادة فيها هذا الربيع، وصف أردوغان الانتخابات بأنها انتخابات «البقاء» الوطني، وقال: «إذا خسرنا إسطنبول، سنفقد تركيا». وانتقد أردوغان، الذي كان هو نفسه عمدة لإسطنبول، إمام أوغلو باعتباره قائداً لـ«حزب الشعب الجمهوري الفاشي الذي كان يعمل مع إرهابيين»!
وقبل أيام من التصويت، أعلن أردوغان أن «أسوأ شيء يمكن أن يحدث لإسطنبول أن يحكمها حزب الشعب الجمهوري الفاشي، الذي رأينا في جيزي [الاحتجاجات المناهضة لأردوغان في 2013] والعديد من الحالات الأخرى، أنه مثل كابوس ينزل على المدينة».
لكن في يوم الأحد الماضي، كان يتعين على «بينالي يلدريم»، مرشح «حزب العدالة والتنمية»، أحد مؤسسي الحزب ورئيس وزراء سابق ورئيس للبرلمان، أن يعترف بالهزيمة في المدينة التي تضم 18% من سكان تركيا وتنتج 32% من الناتج الاقتصادي للبلاد. وقد فاز إمام أوغلو بـ54% من الأصوات، بينما حصل يلدريم على 45% فقط.
وتقول «أسلى أيدنتشباش»، خبيرة في الشؤون التركية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «لا شك في أن حزب العدالة والتنمية بلغ أقصى مداه، وبدأ في التراجع، من حيث قوته الانتخابية». وأضافت: «هذا واضح من الناحية الحسابية، إنهم في تراجع». وأوضحت: «إن البلاد تمر بحالة ركود، وإن الأصوات تراجعت بشكل ملحوظ منذ مستويات 2015»، مشيرةً إلى أن أغلبية «حزب العدالة والتنمية» في البرلمان تعتمد على تحالف مع حزب قومي متشدد، وأن جماعات منشقة قد تشكلت داخل «حزب العدالة والتنمية». وإلى ذلك، فإن المعارضة «استوعبت بعد عقدين من الزمان الصيغة من أجل الفوز». وتتضمن هذه الصيغة دعماً من الأكراد المحرومين من حق التصويت، والذين شعروا بقسوة الحملة العسكرية التي شنها «حزب العدالة والتنمية» على الانفصاليين والمسلحين. ويذكر أن حوالي 15% من سكان إسطنبول أكراد.
لقد كان اقتصاد تركيا المتقلص عاملاً في منح المعارضة السيطرةَ على تسعة أعشار المناطق الحضرية في تركيا. وقد وعد يلدريم الناخبين في إسطنبول بمجموعة من المزايا، من التجوال المجاني لبيانات الهواتف المحمولة إلى خفض أسعار وسائل النقل العام.
يقول «سنان أولجن»، وهو دبلوماسي تركي سابق ورئيس مركز دراسات السياسة الخارجية والاقتصادية (مؤسسة بحثية في إسطنبول)، إن نتائج الانتخابات هي بمثابة «ضربة لمكانة أردوغان السياسية»، وكذلك لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يستخدم ثروات إسطنبول وسيطرتها على العقود الكبيرة لتمويل ونشر حركته. وأضاف أولجن: «لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية إسطنبول، لأي حركة سياسية». وقال: «إنني أرى هذا كشيء من إعادة التوازن للمشهد السياسي التركي، لأن 65% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا سيكون تحت سيطرة المعارضة، من حيث الحكم المحلي». لكنه يحذر من «المبالغة في التأثير» على السياسة الوطنية، نظراً لأن أردوغان لا يزال على رأس رئاسة تنفيذية قوية للغاية، مع عدم إجراء انتخابات قبل 2023.
ومع ذلك، فمع مرور الوقت، فإن «حزب الشعب الجمهوري»، الذي أسسه الأب العلماني لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، قد يستخدم الحكم المحلي لتنشيط قاعدة قوته، كما فعل «حزب العدالة والتنمية» ذات يوم.
*كاتب أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»